الأحد، 29 مارس 2015

ابن عطاء الله السكندري - الحكم العطائية - الحكمة السادسة :

لا يكن أمد تأخر العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجباً ليأسك،
فهو ضمن لك الاستجابة فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك،
و في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي تريد
شرح الحكمة:
ما هو الدعاء؟ و ما الفرق بينه و بين الطلب؟
الطلب هو وصف للفظ ينطق به الطالب،
أما الدعاء فهي حالة نفسية تعتري الطالب، فيسمى طلبه دعاء، و هذه الحالة النفسية تتحقق بشيئين:
1- يقظة القلب و المشاعر: و ذلك بإظهار مظاهر التذلل و الانكسار، فالدعاء يجب أن يُفهم أنه ليس بطقس ديني يُمارس بشكل اعتيادي، و إنما يجب إظهار مشاعر الافتقار إلى الله عز و جل، و هذا هو المقصود. و ليست العبرة بحفظ ورقات من "الأدعية المستجابة " و سردها، فإن لو يُستجب له، أبدى العتاب بقوله أنه دعا و لم يستجب الله له و قد قال رب العزة
( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر:60
2- التوبة إلى الله: و هي توبة من المعاصي و تكون نصوحة، متجددة، و يقدمها شفيعا بين يدي دعائه. و لنضرب في ذلك مثلا، و لله المثل الأعلى:
- تخيل نفسك أمام مديرك في العمل، و طلبت منه علاوة أو إذنا بالخروج، أو شيئا من هذا القبيل، مع أنه يعلم أنك لا تقوم بعملك على أحسن حال و تغش فيه و تأتي متأخرا إلى عملك، فهل سيستجيب لطلباتك؟
- ثم إننا في بعض المرات ندعو مع أنفسنا فيستجيب لنا الله بفضله، و ندعو مع غيرنا أو الأمة فلا يُستجاب لنا. ذلك أن هذا الشرط مفقودٌ في الأمة، أمة تائهة، ملأى بالعصاة و المستكبرين، فأنى يُستجاب لها وهذا مصداق قوله صلى الله عليه و سلم ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا " و قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ"ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب. ومطعمه ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذيَ بالحرام، فأنَّى يستجاب له ) رواه مسلم
فإن حققت شرطي الدعاء، كانت استجابة دعائك محققة بإذن الله.
لكن ما معنى الاستجابة؟
الاستجابة تكون للهدف و ليس بالوسيلة التي تراها أنت أو كما قال ابن عطاء الله "فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك " فالله هو عالم غيب السماوات و الأرض و يعلم مكمن الخير، فقد يكون ما طلبته و إن ظننت أن به الخير، فهو ينطوي على شر و هذا معنى قوله تعالى (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) البقرة:216. و هذا هو خطأ الإنسان الأول في الدعاء حين يظن الخير فقط فيما يدعو إليه بالحرف.
أما الخطأ الثاني في الدعاء فهو الاستعجال فيه، و مرد هذا الخطأ أننا نعتقد أن الدعاء هو وسيلة و ليست غاية في حد ذاته. فالدعاء هو أصلا عبادة، و بالتالي فهو غاية، و هي مظهر لاحتياجنا لربنا، فالإنسان عبد مملوك لربه، و هو محتاج في أي لحظة لسيده، و الأصل في الأمر أن يبقى هذا التذلل و الانكسار مظهرا دائما ملازما لنا نجدد به عبوديتنا لله عز و جل.
و هنا قد يسأل سائل: ما معنى قوله تعالى ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر:60 ؟
و الجواب أن كلمة (ادعوني) هو أمر مطلق غير مرتبط بحالة معينة، بل هي حالة دائمة رخاء أو شدة، و ليست مرتبطة بشرط، أما الإحابة إنما هي تفضل من الله و كرم منه، و ليست ثمنا لدعائه، و هذا معنى قوله صلى الله عليه و سلم (يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول قد دعوتُ فلم يستجب لي) رواه الشيخان و أبو داود و الترمذي و ابن ماجه. و لعل ذلك من حكمة الله عز و جل أن يتأخر في الاستجابة كي يرى تذلل عبده بين يديه، و هذا مصداق قوله صلى الله عليه و سلم (الدعاء هو العبادة) رواه البخاري و أحمد و ابن حبان و الحاكم

و من ثم فهذا السلوك، أي سلوك الافتقار و إعلان الذل و الانكسار يجب أن يلتزم به المسلم دائما مع ثقته طبعا في كرمه عز و جل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق