لا يكن أمد تأخر العطاء مع الإلحاح في الدعاء موجباً ليأسك،
فهو ضمن لك الاستجابة
فيما يختاره لك، لا فيما تختاره لنفسك،
و في الوقت الذي يريد لا في الوقت الذي
تريد
شرح الحكمة:
ما هو الدعاء؟ و ما الفرق بينه و بين الطلب؟
الطلب هو وصف للفظ ينطق به الطالب،
أما الدعاء فهي حالة نفسية تعتري الطالب،
فيسمى طلبه دعاء، و هذه الحالة النفسية تتحقق بشيئين:
1- يقظة القلب و المشاعر: و ذلك بإظهار مظاهر التذلل و الانكسار، فالدعاء
يجب أن يُفهم أنه ليس بطقس ديني يُمارس بشكل اعتيادي، و إنما يجب
إظهار مشاعر الافتقار
إلى الله عز و جل، و هذا هو المقصود. و ليست العبرة بحفظ
ورقات من
"الأدعية المستجابة " و سردها، فإن لو يُستجب له، أبدى العتاب بقوله أنه
دعا و لم يستجب الله
له و قد قال رب العزة
(
وَقَالَ رَبُّكُمُ
ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر:60
2- التوبة إلى الله: و هي توبة من المعاصي و تكون نصوحة، متجددة، و يقدمها
شفيعا بين يدي دعائه. و لنضرب في ذلك مثلا، و لله المثل الأعلى:
- تخيل نفسك أمام مديرك
في العمل، و طلبت منه علاوة أو إذنا بالخروج، أو شيئا
من هذا القبيل، مع
أنه يعلم أنك لا تقوم بعملك على أحسن حال و تغش فيه و تأتي
متأخرا إلى عملك، فهل
سيستجيب لطلباتك؟
- ثم إننا في بعض
المرات ندعو مع أنفسنا فيستجيب لنا الله
بفضله، و ندعو مع غيرنا أو الأمة فلا يُستجاب لنا. ذلك أن هذا
الشرط مفقودٌ في
الأمة، أمة تائهة، ملأى بالعصاة و المستكبرين، فأنى يُستجاب لها
وهذا مصداق قوله صلى
الله عليه و سلم (
إن الله
تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به
المرسلين، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا
صَالِحًا " و قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ"ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد
يديه إلى السماء: يا رب، يا رب. ومطعمه ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذيَ بالحرام، فأنَّى
يستجاب له )
رواه مسلم
فإن حققت شرطي الدعاء، كانت استجابة دعائك محققة بإذن الله.
لكن ما معنى الاستجابة؟
الاستجابة تكون للهدف و ليس
بالوسيلة التي تراها أنت أو كما قال ابن عطاء الله "فهو ضمن لك
الإجابة فيما يختاره
لك، لا فيما تختاره لنفسك " فالله هو عالم غيب السماوات و
الأرض و يعلم مكمن
الخير، فقد يكون ما طلبته و إن ظننت أن به الخير، فهو ينطوي على
شر و هذا معنى قوله
تعالى (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً
وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )
البقرة:216. و هذا هو خطأ
الإنسان الأول في الدعاء
حين يظن الخير فقط
فيما يدعو إليه بالحرف.
أما الخطأ الثاني في الدعاء فهو الاستعجال فيه، و
مرد هذا الخطأ أننا نعتقد أن الدعاء هو
وسيلة و ليست غاية في حد ذاته. فالدعاء هو أصلا عبادة، و
بالتالي فهو غاية، و
هي مظهر لاحتياجنا لربنا، فالإنسان عبد مملوك لربه، و هو محتاج
في أي لحظة لسيده، و
الأصل في الأمر أن يبقى هذا التذلل و الانكسار مظهرا دائما
ملازما لنا نجدد به
عبوديتنا لله عز و جل.
و هنا قد يسأل سائل: ما معنى قوله تعالى
(
وَقَالَ
رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )
غافر:60 ؟
و الجواب أن كلمة (ادعوني) هو أمر مطلق غير
مرتبط بحالة معينة، بل هي حالة دائمة رخاء أو شدة، و
ليست مرتبطة بشرط، أما الإحابة إنما هي تفضل من الله و كرم
منه، و ليست ثمنا
لدعائه، و هذا معنى قوله صلى الله عليه و سلم (يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول قد دعوتُ فلم يستجب لي) رواه الشيخان و أبو
داود و الترمذي و ابن ماجه. و لعل ذلك من حكمة الله
عز و جل أن يتأخر في
الاستجابة كي يرى تذلل عبده بين يديه، و هذا مصداق قوله صلى
الله عليه و سلم
(الدعاء هو العبادة) رواه
البخاري و أحمد و ابن
حبان و الحاكم
و من ثم فهذا السلوك، أي سلوك الافتقار و إعلان الذل و
الانكسار يجب أن يلتزم به المسلم دائما مع ثقته طبعا في كرمه عز و
جل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق