الاثنين، 30 مارس 2009

الدعاء

الدعاء

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه أجمعين

الدعاء هو الرغبة إلى الله عز وجل، واستدعاء العبد ربه عز وجل العناية، واستمداده منه المعونة، وحقيقته: إظهار الافتقار إلى الله تعالى، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل، وإضافة الجود والكرم إليه.

وعجيب وجميل أن يذكر الدعاء وسط الكلام عن الصيام وأحكامه، قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة: 186).

وهذا التفات عن خطاب المؤمنين كافة بأحكام الصيام إلى خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يذكرهم ويعلمهم ما يراعونه في هذه العبادة وغيرها من الطاعة والإخلاص، والتوجه إليه وحده بالدعاء الذي يعدهم للهدى والرشاد.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يسأل الله يغضب عليه"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل العبادة الدعاء".

وعن النعمان بن بشير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدعاء هو العبادة "قال ربكم ادعوني أستجب لكم")، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن أبخل الناس من بخل بالسلام، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء"، وعن سلمان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يرد القضاء إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر).

وعند أحمد والبزار وأبي يعلى بأسانيد جيدة، عن أبي سعيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن تعجل له دعوته وإما أن يدخرها له في الآخرة وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها". قالوا: إذا نكثر. قال: "الله أكثر".

وقال صلى الله عليه وسلم: "ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدع بمأثم أو قطيعة رحم"، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يقول: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني".

آداب الدعاء

الأول: أن يتحين الأوقات والأحوال الشريفة، مثل:

1- جوف الليل: قال صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن".

وعن جابر أنه قال إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه"، وزاد الأمام أحمد: "وهي كل ليلة".

2- في السجود: قال صلى الله عليه وسلم: "وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم".

3- عند الأذان: قال صلى الله عليه وسلم: "إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء".

4- بين الأذان والإقامة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب؛ فادعو".

5- عند لقاء العدو: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ثنتان لا تردان أو قلما تردان: الدعاء عند النداء وعند البأس حين يلحم بعضهم بعضا".

6- عند نزول المطر: وعن سهل بن سعد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ووقت المطر".

7- آخر ساعة من نهار الجمعة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله شيئا إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر الساعة بعد العصر".

8- دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب: في صحيح مسلم عن أبى الدرداء قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك ولك بمثل". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لا يرد".

9- أن يبيت على ذكر فيتعار من الليل فيدعو: عن معاذ بن جبل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من مسلم يبيت على ذكر طاهرا فيتعار من الليل فيسأل الله خيرا من الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه". ودعوة الصائم ودعوة المسافر...

10- عدم العجلة: عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول: قد دعوت فلا أو فلم يستجب لي".

الثاني: أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه:

عن سلمان الفارسي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله حيى كريم يستحى إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين".

الثالث: خفض الصوت بين المخافتة والجهر:

وعن عائشة -رضي الله عنها- في قوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}، أي: بدعائك، وقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب"، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن ربكم ليس بأصم ولا غائب هو بينكم وبين رءوس رحالكم".

الرابع: عدم الاعتداء في الدعاء:

قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين} (الأعراف: 55)، والاعتداء فيه، كالدعاء بتعجيل العقوبة، أو الدعاء بالممتنع عادة أو عقلا أو شرعا، أو الدعاء في أمر قد فرغ منه، أو الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم.

الخامس: التضرع والخشوع والرغبة والرهبة:

قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية} (الأعراف:55)، وقال تعالى:{إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين} (لأنبياء:90).

السادس: أن يجزم بالدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه:

عن أبى هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه".

قال سفيان ابن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله: {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون* قال فإنك من المنظرين} (الحجر:36-37).

السابع: أن يلح في الدعاء، ويعظم المسألة ويكرر الدعاء ثلاثا:

قال ابن مسعود: كان إذا دعا دعا ثلاثا. وإذا سأل سأل ثلاثا. وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا سأل أحدكم فليكثر؛ فإنما يسأل ربه".

الثامن: أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه، وأن يختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

التاسع: وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة:

"التوبة، ورد المظالم، والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة؛ فذلك هو السبب القريب في الإجابة".

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إني لا أحمل هم الإجابة ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه، وعنه رضي الله عنه قال: بالورع عما حرم الله يقبل الله الدعاء والتسبيح. وعن عبد الله بن مسعود قال: إن الله لا يقبل إلا الناخلة من الدعاء، إن الله تعالى لا يقبل من مسمع، ولا مراء، ولا لاعب، ولا لاه، إلا من دعا ثبت القلب.

وعن أبي الدرداء قال: ادع الله في يوم سرائك، لعله يستجيب لك في يوم ضرائك، وعن الحسن أن أبا الدرداء كان يقول: جدوا بالدعاء، فإنه من يكثر قرع الباب يوشك أن يفتح له. وعن حذيفة قال: ليأتين على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا بدعاء كدعاء الغريق.

وينبغي للداعي أن يحذر من بعض الأخطاء في الدعاء فمن ذلك:

1- الدعاء على الأهل والمال والنفس، فعن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم" رواه مسلم.

2- رفع الصوت بالدعاء لقوله تعالى: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذالك سبيلا} (الإسراء:110)، والمقصود: الدعاء.

3- تكلف السجع في الدعاء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: وانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلون إلا ذلك. يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب. أخرجه البخاري.

4- الاعتداء فيه، كالدعاء بتعجيل العقوبة، أو الدعاء بالممتنع عادة أو عقلا أو شرعا، أو الدعاء في أمر قد فرغ منه، أو الدعاء بالإثم وقطيعة الرحم.

5- الاستثناء فيه، أي تعليق الدعاء بمشيئة الله تعالى، مثل أن يقول:

اللهم اغفر لي إن شئت

الشيخ سلمان العودة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق