الهداية في شرح بداية المبتدي - برهان الدين علي
بن أبي بكر المرغيناني
كتاب
الصلاة - باب
الأذان - فَصْلٌ
فِيْ الْقِرَاءَةِ
قَالَ:
"وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيْ الْفَجْرِ وَفِيْ الْرَّكْعَتَيْنِ
الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِنَّ كَانَ إِمَاما وَيَخْفَى فِيْ
الْأُخْرَيَيْنِ" هَذَا هُوَ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ
"وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمِعْ نَفْسِهِ" لِأَنَّهُ إِمَامٌ فِيْ حَقِّ نَفْسِهِ "
وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ" لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفِهِ مَنْ يَسْمَعُهُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْجَهْرَ لِيَكُوْنَ الْأَدَاءِ عَلَىَ هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ "وَيُخْفِيْهَا الْإِمَامِ فِيْ الْظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ"
"وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدا فَهُوَ مُخَيَّرٌ إِنْ شَاءَ جَهَرَ وَأَسْمِعْ نَفْسِهِ" لِأَنَّهُ إِمَامٌ فِيْ حَقِّ نَفْسِهِ "
وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ" لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفِهِ مَنْ يَسْمَعُهُ وَالْأَفْضَلُ هُوَ الْجَهْرَ لِيَكُوْنَ الْأَدَاءِ عَلَىَ هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ "وَيُخْفِيْهَا الْإِمَامِ فِيْ الْظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَ بِعَرَفَةَ"
لِقَوْلِهِ
عَلَيْهِ الْصَّلَاةُ وَالْسَّلَامُ "صَلَاةً الْنَّهَارِ عَجْمَاءُ" أَيُّ لَيْسَتْ
فِيْهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوْعَةٌ وَفِيْ عَرَفَةَ خِلَافٍ مَالِكِ
رَحِمَهُ الْلَّهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِّيْنَاهُ
"وَيَجْهَرُ فِيْ الْجُمُعَةِ وَالْعِيْدَيْنِ" لِوُرُوْدِ الْنَّقْلُ
الْمُسْتَفِيْضُ بِالْجَهْرِ وَفِيْ الْتَّطَوُّعِ بِالْنَّهَارِ يُخَافَتُ وَفِيْ
الْلَّيْلِ يَتَخَيَّرُ اعْتِبَارا بِالْفَرْدِ فِيْ حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَهَذَا
لِأَنَّهُ مُكَمَّلٌ لَهُ فَيَكُوْنُ تَبَعا لَهُ
"وَمَنْ فَاتَتْهُ
الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوْعِ الْشَّمْسِ إِنَّ أُمَّ فَبِهَا
جَهَرَ" كَمَا فَعَلَ رَسُوْلُ الْلَّهِ صَلَّىَ
الْلَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ قَضَىَ الْفَجْرَ غَدَاةَ لَيْلَةَ
الْتَّعْرِيْسِ بِجَمَاعَةٍ "وَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ خَافَتْ حَتْمَا وَلَا
يَتَخَيَّرُ هُوَ الْصَّحِيْحُ" لِأَنَّ الْجَهْرَ يَخْتَصُّ إِمَّا
بِالْجَمَاعَةِ حَتْمَا، أَوْ بِالْوَقْتِ فِيْ حَقِّ الْمُنْفَرِدِ عَلَىَ وَجْهِ
الْتَّخَيُّرِ وَلَمْ يُوْجَدْ أَحَدُهُمَا وَمَنْ قَرَأَ فِيْ الْعِشَاءِ فِيْ
الْأُوْلَيَيْنِ الْسُّوْرَةِ وَلَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ لَمْ يَعُدْ
فِيْ الْأُخْرَيَيْنِ وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا قَرَأَ
فِيْ الْأُخْرَيَيْنِ الْفَاتِحَةِ وَسُوْرَةِ وَجَهْرا وَهَذَا عِنْدَ أَبِيْ حَنِيْفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا الْلَّهُ
وَقَالَ أَبُوْ يُوَسُفَ رَحِمَهُ الْلَّهُ : لَا يَقْضِيَ
وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ اذَا فَاتَ عَنْ وَقْتِهِ لَا يَقْضِيَ
إِلَّا بِدَلِيْلٍ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجهيَينَ أَنَّ قِرَاءَةَ
الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَىَ وَجْهِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْسُّوْرَةَ فَلَوْ
قَضَاهَا فِيْ الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَىَ الْسُّوْرَةِ
وَهَذَا خِلَافُ الْمَوْضُوْعِ بِخِلَافِ مَا اذَا تَرَكَ الْسُّوْرَةَ لِأَنَّهُ
أَمْكَنَ قَضَاءَهَا عَلَىَ الْوَجْهِ الْمَشْرُوْعِ ثُمَّ ذَكَرَ هَهُنَا مَا
يَدُلُّ عَلَىَ الْوُجُوْبِ وَفِيْ الْأَصْلِ فِيْ لَفْظَةٍ الِاسْتِحْبَابِ
لِانَّهُا انّ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً فَغَيْرُ مَوْصُوْلَةً بِالْفَاتِحَةِ فِلَمَ
يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ مَوْضُوْعُهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَيَجْهَرُ بِهِمْ, هُوَ
الْصَّحِيْحُ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِيْ رَكْعَةٍ
وَاحِدَةٍ شَنِيْعَةٌ وَتُغَيِّرُ الْنَّفْلِ وَهُوَ الْفَاتِحَةُ الاوْلَىَ ثُمَّ
الْمُخَافَتَةِ أَيُّ يُسْمَعُ نَفْسِهِ وَالْجَهْرِ أَنْ يَسْمَعَ غَيْرَهَ
وَهَذَا عِنْدَ الْفَقِيْهُ أَبِيْ جَعْفَرٍ
الْهِنْدُوَانِيُّ رَحِمَهُ الْلَّهُ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ
الْلِّسَانِ لَا يُسَمَّىْ قِرَاءَةً بِدُوْنِ الْصَّوْتَ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ :
أَدْنَىَ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَأَدْنَىَ الْمُخَافَتَةِ تَصْحِيْحِ
الْحُرُوْفْ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ الْلِّسَانِ دُوْنَ الصِّمَاخِ وَفِيْ لَفْظٍ
الْكِتَابِ اشَارَةَ الَىَّ هَذَا وَعَلَىَ هَذَا اصِلَ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ
بِالنُّطْقِ كَالْطَّلَاقِ وَالْعِنَاقُ وَالِاسْتِثْنَاءُ وَغَيْرِ ذَلِكَ
وَأَدْنَىَ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِيْ الصَّلَاةِ آَيَةً عِنْدَ أَبِيْ
حَنِيْفَةَ رَحِمَهُ الْلَّهُ وَقَالَ ثَلَاثَ آَيَاتٍ قَصَرَاتِ اوْ آَيَةٌ
طَوِيْلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّىْ قَارِئٌ بِدُوْنِهِ فَأَشْبَهَ قِرَاءَةِ مَا
دُوْنَ الْآَيَةِ وَلَهُ قَوْلُهُ تَعَالَىْ " فأَقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ
مِنَ الْقُرْآَنِ " مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إِلَا أَنْ مَا دُوْنَ الْآَيَةِ
خَارِجَ وَالْآيَةَ لَيْسَتْ فِيْ مَعْنَاهُ وَفِيْ الْسَّفَرِ يُقْرَأُ
بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَيُّ سُوْرَةُ شَاءَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْنَّبِيَّ
عَلَيْهِ الْصَّلاةُ وَالْسَّلامُ قَرَأَ فِيْ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِيْ سَفَرٍ
بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَلِأَنَّ لِلْسَّفَرِ أَثَرُ فِيْ إِسْقَاطِ شَطْرَ
الْصَّلاةِ فَلِأَنَّ يُؤْثِّرْ فِيْ تَخْفِيْفِ الْقِرَاءَةِ الْأُوْلَىْ وَهَذَا
اذَا كَانَ عَلَىَ عَاجِلَةَ مِنَ الْسَّيْرِ وَإِنْ كَانَ فِيْ أَمْنَةٍ
وَقَرَارِ يَقْرَأُ فِيْ الْفَجْرِ نَحْوَ سُوْرَةِ الْبُرُوْجِ وَانْشَقَّتِ
لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ الْسُّنَّةِ مَعَ الْتَّخْفِيفِ وَيَقْرَأُ فِيْ
الْحَضَرِ فِيْ الْفَجْرِ فِيْ الرَكْعَتِيِّينَ بِأَرْبُعْيِّينَ آَيَةً اوْ
خَمْسِيْنَ آَيَةً سِوَىْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيَرْوِيَ مِنْ ارْبَعِيْنَ الَىَّ
سِتِّيْنَ وَمَنْ سِتِّيْنَ الَىَّ مِئَةٍ وَبِكُلِّ ذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ
وَوَجْهُ الْتَّوْفِيْقُ أَنَّهُ يَقْرَؤُا بِالرَّاغِبَينَ مِئَةٍ
وَبِالِكُسَالَىْ ارْبَعِيْنَ وَبِالأَوْسَاطَ مَا بَيْنَ خَمْسِيْنَ الَىَّ
سِتِّيْنَ, وَقِيْلَ لَا يَنْظُرُ الَىَّ طُوِّلَ الْلَّيَالِي وَالَى كَثْرَةِ
الْاشْغَالِ وَقُلْتُهَا.